"بعض الحب يكفي" ديوان عبير حمدان الجديد
بعض الخوف من المنابر ومن ضجيج التصفيق والتبخير أحياناً، ليس خوفاً إنما زهد لعاشق ملوّه بالكلمة وسحرها... وعند الصحافية والشاعرة عبير حمدان للكلمة حواس ستّ، لذا تخاف عليها وتتأنى في النشر.
بين الرمز والمجاهرة، بين التأويل والإيحاء والإعلان عن المعنى، التقينا عبير لنعرف منها رؤيتها للكلمة والشعر والصحافة.
مع اللغة تهرب من التوصيف، أهو نثراً شعرياً أو شعراً... فهي تعتبر أن "ما نكتبه شرنقة تتصل ببعضها"، وبين مهنة الصحافة والشاعرة، تقول:"من جهتي لم أختر الصحافة كمهنة إنما هي اختارتني من دون أي تخطيط مسبق. أبعدتني عن الشغف الأساسي المتمثل بالشعر إلا أني لم أتوقف عن كتابته، لكنه بقي في الظل وعلى الورق الأصفر القديم قبل أن يصبح مادة مطبوعة ومحفوظة على الكومبيوتر. لا يمكن الفصل بين الشاعرة والصحافية ولعل الفرق الوحيد أن القصيدة تعبير عن حالة خاصة بينما المقال أو التحقيق أو الحوار الصحفي ينقل واقعاً معيّناً. في مكان ما تدخل مادتي الصحفية في متاهة الذات الشعرية وأجد نفسي أرسم كلمات المقدمة لأي موضوع ضمن الإطار الوجداني وقد يتفوق الأمر هنا على المهنية في التعاطي مع المادة الصحفية، لذلك أسعى لاختيار المواضيع التي تشبهني كي لا أظلم المهنة. لكن بالنسبة لي يبقى لقب الشاعرة هو الأحب".
وكل الحب!
أما لماذا "بعض الحب يكفي"، فتقول "ربما لأننا نعيش في زمن سيىء لم يعد الحب متاحاً فيه، وباتت الجمل المباشرة التي يتم رصفها قصائد بنظر جيل يستعجل حتى في التعبير عن الحب، واستعجاله ينزع عن الحب قدسيته. الحب أكبر من فعل التداول الحالي المنتشر عبر الهواتف الذكية والصفحات الاجتماعية، هو انعتاق من أي قيد ولا يمكن ابتكاره أو صناعته، وأرفض أن يكون مادة استهلاكية تخضع لقانون العرض والطلب، الحب في مواجهة القتل المقترن بمنابر التحريض على تدمير كل ما هو جميل... ليس بالضرورة أن يكون للحبيب وحسب، يمكنك أن تحبي مدينتك وشارعك وأرضك وقضيتك، يمكنه أن يكون حباً لفكرة ما أو لحضارة مهددة أو للغة هي لغتك، وأنا أحب لغتي التي تضم الكثير من المعاني التي بات لا يفقهها الكثيرون، وهذا البعض جزء من كل ما يحيط بنا لعلنا ننقذ ما تبقى لنا على هذه الأرض".
بعد مجموعتها الشعرية الأولى "أبواب الأصيل"، التي تنظر إليها "بحب" ولكن تراها "طفولية" من دون أن تنسى فرحتها بها لدى إصدارها منذ عشرين عاماً، ترى الفرق بين المرحلتين في النضج، وتقول:"حين اتخذت قرار النشر العام 1996، كانت أحلامي أكبر مني، وكنت أظن أن تحقيقها سهل، ولكن لكل زمن "تماثيله"، أو كما يحبون أن يسمون أنفسهم "نخبه". ولا أعلم مَن الذي ابتكر هذه التسمية حتى بات الأدب يسكن في برج عاجي ويقارب الترف المقنع، وهؤلاء النخبويون لم يسمحوا لشعاع الشمس بالتسلل بين شقوق الجدار الذي بنوه حولهم وأصروا على أن يكون صوتهم وحده مسموعاً... هي مافيا الحبر التي احتلت مطابخ المطبوعات الورقية وكل مكان يتصل بالنشر، ولا أخفي أمراً حين أقول أنني حاولت النشر وطرقت أبواب الكثير من الدور، ولكن من يملك القرار فيها رفض قراءة ما أكتب، فقط لأنه يراني صغيرة ولا يحق لي أن أدخل نادي "الأدب المخملي". حتى في مجال الصحافة، لم يكن الوضع أفضل ولعل الشخص الوحيد الذي قرأ نصي ونشره من دون أن يعرفني بشكل شخصي هو الشاعر الكبير أنسي الحاج".
الجرأة النسوية
وعن الجرأة في الأدب "النسوي"، تقول:"لست بمنأى عن الجرأة ولكن في إطارها الصحيح، بمعنى أني لست وقحة وحين أكتب الحب بمعناه المرتبط بالعلاقة الحسية بين الأنثى والرجل، لا أخجل من رسم الصورة التي أعيشها ولو في الخيال ولكنها لا تخرج من فعل الرقي والجمال".
وعن فعل الكتابة تقول:" الكتابة ليست حالة جماهيرية وليست برنامجاً استعراضياً ممولاً وكل مشترك يسعى لكسب النقاط والتصويت الأعلى. نحن أبناء الجيل الذي تعلق بقلم الحبر والورق الأصفر نملك القوة الفعلية للبقاء، ومهما تسارعت وتيرة الحياة يبقى الكتاب المرجع الثابت لكل من يبحث عن المعرفة".