روايتكِ لشهر تشرين الأول / اكتوبر: الجريمة والعقاب
تعدّ "الجريمة والعقاب" لفيودور دستويفسكي من أشهر روائع الأدب الروسي، وقد اقتبست عنها أفلام وأعمال تلفزيونية، وترجمت إلى لغات كثيرة منها العربية (أحدث الترجمات صدرت مطلع العام الحالي عن "دار الفارابي"). وبالرغم من أنها صدرت في العام 1866، إلا أنها لا تزال راهنة حتى يومنا هذا، لأنها تحفر عميقاً في هواجس النفس البشرية، وعلاقة الإنسان بالخير والشر والجريمة والحب، ويمكن لأحداثها أن تلهم كثيرين بغض النظر عن التوقيت أو المكان.
الشخصية الرئيسية في العمل، هو روديون راسكولينكوف الذي تدور معظم الأحداث على لسانه، أو وفق وجهة نظره. منذ الصفحات الأولى، نكتشف أن راسكولينكوف يعاني من اضطرابات نفسية، بسبب فقره، وعدم قدرته على تأمين معيشته اليومية، وإقامته في غرفة مستأجرة يعاني من مشاكل مع مالكتها.
تدور الأحداث في مدينة سان بطرسبرغ، حيث يترك الطالب الجامعي العشريني دراسته، وويبدأ برهن ممتلكاته وممتلكات عائلته لعجوز مرابية، لكي يؤمّن قوت يومه. ومع اضطراب رؤيته للواقع، وتأثير المدينة السلبي عليه، يقرر أن يقتل العجوز، ويسرق أموالها، كي يؤسس حياته. فبرأيه، لن يضر قتل العجوز أحداً، بل على العكس، سيقدم خدمة جليلة للبشرية.
يحضِّر راسكولنيكوف خطته جيداً، ويزور العجوز مدعياً رغبته برهن أحد مقتنياته، ويقتلها بواسطة فأس، ثم يقتل أختها أيضاً التي لم يكن يتوقّع تواجدها في المنزل.
بعد ارتكاب جريمته، يخفي راسكولنيكوف ما سرقه من بيت العجوز تحت صخرة، وينطلق في رحلته مع عذاب الضمير، ومحاولة إثبات براءته في عيون الشرطة التي تشك فيه حيناً، وتبرئه أحياناً. تنهار صحته، وتتفاقم هلوساته، ويبتعد عن عائلته وتحديداً أمه وشقيقته دونيا. كانت هذه الأخيرة تعمل مدبرة منزل لدى عائلة ثرية، لكنها تضطر إلى ترك عملها بسبب تحرشات رب عملها الدائمة بها. وستلعب دونيا دوراً كبيراً لمساندة شقيقها، وإخراجه من دوامة القلق والمرض التي تجهل سببها الفعلي.
يرفض راسكولنيكوف المساعدة، ويبتعد عن محيطه، ويهيم على وجه في سان بطرسبرغ، ويتحوّل سره إلى عبء ثقيل على كتفيه، فيقرر أن يبوح به إلى صونيا، وهي بائعة هوى، اضطرت إلى العمل في الدعارة، لمساندة عائلتها الفقيرة. وكان راسكولنيكوف تعرف على عائلتها، بعدما التقى بوالدها السكير في أحد المقاهي، وفهم سبب تضحية صونيا بنفسها لإطعام اخوتها الصغار.
على امتداد نحو ألف صفحة، يسرد دستويفسكي كل ما يعبر في ذهن البطل، ونقمته على النظم الاجتماعية، وشعوره بالذنب تجاه عائلته، وخوفه من انكشاف أمره، وفي الوقت ذاته، رغبته بأن يكشف، لكي يرتاح بالعقاب. لا تقدم الرواية إجابات على أسئلة راسكولنيكوف، لأن الأمر سينتهي به في السجن. لكن الخلاصة الأكيدة التي نخرج بها من الرواية، أنّ الحب هو طريق الخلاص الحقيقي والوحيد، حتى في حياة المجرمين، وبائعات الهوى.
قد تكون الرواية طويلة، لكنها من كلاسيكيات الأدب العالمي، ولا يجب على أحد تفويت قراءتها!