ندى أبو فرحات والدور الأصعب وجو قديح والمرأة الأذكى
قوية جريئة بعيدة عن الابتذال، ملكة على الخشبة لا بل ملكة الخشبة، في أدوار متعددة لا تشبه بعضها، في عدة مسرحيات. هكذا تُقدّم المرأة على خشبة المسرح في بيروت. لثلاث سنوات مضت، رصدنا شبه غياب لدور المرأة الضعيفة الخاضعة.
بدأت شخصية المرأة القوية المتحكمة بخيوط اللعبة في أدوارها المسرحية تظهر سابقاً، ولكن تواتر هذه الصورة للمرأة في زمن التقهقر والرجوع المخيف لصورتها المغايرة للواقع في مسلسلات مثل "باب الحارة"، يطرح سؤالاً شائكاً. ما هي صورة المرأة فعلاً في مجتمعاتنا؟
ندى تعرّي الروح
برزت المرأة في الآونة الأخيرة في أدوار سلّمت فيها الصولجان لترتجف الخشبة تحت أقدامها. تناولنا مسرحيتين عرضتا أخيراً، الأولى "أسرار الستّ بديعة" من إخراج جيرار أفيديسيان، وبطولة الممثلة ندى ابو فرحات.
لا شكّ أن دورها كان الأصعب، كونه مونولوجاً من جهة وبالتالي عليها لأكثر من ساعة أن تكون أكثر من محترفة في أدائها كي لا تضيّع لثوان انتباه الجمهور. برعت فيه بحرفية عالية والتزام واضح جداً بالتمثيل المسرحي، الأصعب باعتراف الجميع، كونها تؤدي دوراً صعباً تنتقل فيه من بديعة الهرمة بصوتها وجسدها وانفعالاتها إلى بديعة الصبية المنطلقة الفرحة بالحياة وباهتمام الجميع بها.
ندى أبو فرحات تميّز بوضوح، قولاً وفعلاً، بين "الإغراء الفني والإغراء الجسدي"، وترى أن الأخير وإن أتى ضمن قصة اجتماعية جميلة، فهو "مبتذل"، في حين أن "الإغراء الفني هو ذلك الذي يعلو فوق القيود المجتمعية وسواها، ليطال مستوى فكرياً وجمالياً".
أما عن الجرأة فترى أنها جرأة القصة والشخصية التي عليها أن تؤديها، وهي أولاً جرأة تعبير عن الأحاسيس في مجتمع ربما يرفض التعبير الصريح من إظهار الحزن أو البكاء وسواهما، وتكمن الجرأة على الخشبة في التعبير عنها من دون قيود أو عُقد، و"هو الأمر الذي يتلاءم تماماً مع شخصيتي".
الحرية في دورها في "أسرار الستّ بديعة" مثالاً، تردّها في جزء كبير إلى النص الذي كتبه المخرج جيرار أفيديسيان، وتقول: "عند أفيديسيان ميزة الاقتناع بالواقع وعدم الخجل منه، وهي ميزة أقدّرها وأحبّها فيه. هو يعمد إلى الإضاءة على هذا الواقع معتمداً المنطق والبساطة. بالنسبة إليه، الحرية هي في قمة الأولويات طالما أنه يقدّم ما لا يؤذي المجتمع".
وهل هناك مفارقة بين ما تقدّمه ندى أبو فرحات من خلال أدوارها الجريئة، والواقع المعاش، تشير بأسف إلى "أننا نتلهّى بأشياء تافهة وبالقشور وبأمور موتّرة، في حين أن مجتمعات أخرى تمكنت من تجاوزها في تصالح مع الذات ما سهّل لهم الطريق إلى إيلاء الإبداع جلّ الاهتمام".
وعن بيروت، تقول:"كانت بيروت من العواصم العربية الأكثر انفتاحاً، وقد تغيّر ذلك، وطال ليس المرأة وصورتها وحسب، إنما أيضاً الرجل. صار لدينا الجمال الاستهلاكي بدل الجمال الذكي، جمال الفوتوشوب المعروض للبيع والذي أصبح نمطياً لا تميّز فيه. وقد انعكس تسليع المرأة على كل شؤونها الظاهرية والداخلية.
جو: المرأة أذكى وأهمّ
أما المسرحية الثانية "غرام أو انتقام" مع المخرج جو قديح، بنص مقتبس عن رواية "علاقات خطيرة" للكاتب الفرنسي بيير شوديرلو دي لادوس عمل عليه قديح مع ماري كريستين طيّاح. شارك في التمثيل إلى جانب قديح، برناديت حديب ورينيه ديك وبرونو طبّال وباتريسيا سميرة وسولانج تراك.
يرى قديح أن لدينا بيئات متعددة وليس بيئة واحدة، ويذهب أبعد من ذلك ليصفها بأنها مجتمعات متعددة، وبالتالي فإن مسرحه يقدّم الواقع ولا يبتعد عنه حين يقدّم المرأة بصورتها القوية.
وبالنسبة إليه شخصياً، "المرأة أذكى وأهمّ من الرجل على خشبة المسرح". ولكنها في المجتمع، ليست بأضعف بقدر ما هي مقيّدة بقوانين لا تحترم كيانها، وأعطى مثالاً عن عدم حق المرأة في فتح حساب مصرفي لأي من أولادها وعدم حقها في منحهم جنسيتها في لبنان، في حين أن "المرأة" برأيه، "إذا ما نظرنا إلى التاريخ والحياة الاجتماعية، هي المرجع الأساسي للمجتمع وهي الأساس".
انطلاقاً من طريقته بالتفكير، يرفض المخرج جو قديح تسليع المرأة، ويفضّل دوماً تقديمها في وضعية معينة، في دور له حيثياته. وهو مع تحرر المرأة الكلّي، لأن صورة المرأة في المجتمع دليل على تقدّمه أو تأخّره، وإذا لم يصار إلى معالجة وضع المرأة في مجتمنا فنحن سائرون إلى الزوال.
ويضيف قائلاً: "حكم الرجال في الكرة الأرضية وأخذونا إلى الحروب والدمار. لقد فشل عالم الرجال. آن الأوان لتحكم المرأة لأنها الأذكى".