انتهى زمن تشبيه الدماغ بالكومبيوتر
عاش العالم ومنذ انطلاقة اختراع الكومبيوتر في العام 1940، أكثر من نصف قرن وعلماء النفس والأعصاب والدماغ يشبّهون دماغ الإنسان بالكومبيوتر. انتهت هذه المرحلة وإلى غير رجعة.
كتب روبرت إبشتاين Robert Epstein، الطبيب في علم النفس المسؤول عن قسم البحوث النفسانية في المعهد الأميركي لبحوث وتقنيات السلوك في كاليفورنيا، بحثاً في الموضوع، ينفي فيه هذا التشبيه الذي ساد لفترة طويلة في الأوساط العلمية، قائلاً: "إذا بحثت في الدماغ، لن تجد نسخة لسيمفونية بيتهوفن الخامسة. لن تجد نسخاً للصور والكلمات...".
ولكنه يضيف في البحث الذي نشره على الموقع التالي https://aeon.co/essays/your-brain-does-not-process-information-and-it-is-not-a-computer، أن هذا لا يعني أن الدماغ فارغ. ولكن الدماغ لا يحتوي على "الذكريات" بالطريقة التي نعتقدها.
الطفل الوليد والكومبيوتر
يقوم روبرت بإثبات نظريته البحثية، بالمقارنة بين الطفل الحديث الولادة وجهاز الكومبيوتر. وهو أمر بالفعل مثير للدهشة إذا ما قارناه بالفكرة السائدة عن الدماغ وهذا الجهاز الذي اخترعه الإنسان.
الطفل حين يولد، تكون رؤيته ضبابية في البداية ومن ثم يتمكنّ من تمييز الوجوه القريبة منه. هو لا يولد محمّلاً بالبرامج والمعلومات التي نخزنّها في جهاز الكومبيوتر، ولا يفكّ عقد المسائل الرياضية ولا يقوم بعملية حساب عادية.
أما جهاز الكومبيوتر فهو مصمّم ليكون معالجاً للمعلومات، الأرقام، الحروف، الكلمات، الصيغ، والصور. هو عبارة عن معلومات مشفّرة لكل شيء، هناك شيفرة معيّنة لإعطائنا الحرف ذال مثلاً، وشيفرة أخرى للحرف ألف، وهكذا دواليك.
الطفل لا يولد بملفات ذاكرة معيّنة، نسترجعها عبر دخول ملف ما. بينما الكومبيوتر الذي خزّنت فيه معلومات معيّنة، بكبسة Enter على ملف نفتحه وندخل إلى الملفات التي خزنّاها. قدرة استعادة الذاكرة مبرمجة على الكومبيوتر، في حين أنها غير متوافرة لدى الطفل.
التعامل مع الطفل يقوم على إثارة المحفزات لديه، ليتفاعل مع الصوت ومع الصورة ومع الوجوه ومع المحيط. وتنمّي هذه المحفزات دماغ الطفل شيئاً فشيئاً.
فيما التعامل مع الكومبيوتر لا يقوم على هذه المحفزات، فهو أساساً تمّ تشفير برامجه للتعامل مع حالات معيّنة بطريقة رياضية مبرمجة مدروسة.
نقل المعلومات
الإنسان بوسعه نقل المعرفة، ولكن ليس كما هي والتلقي لها لا يكون مماثلاً في كل الأدمغة. بينما مع الكومبيوتر، نحن ننقل ملفاً من جهاز إلى آخر، ننسخه، نحفظه. وبوسعنا أيضاً محوه تماماً.
أما ذاكرة الطفل التي تبنى شيئاً فشيئاً فأمر مختلف تماماً. ففي حين أن الكومبيوتر هو عبارة - من هذه الناحية تحديداً- عن برمجة لتخزين ونقل ونسخ وتعامل مع معلومات مادية، إن دماغ الطفل والإنسان لا يتعامل مع المعلومات المقدّمة أو المنقولة أو التي يمتصّها بهذه الطريقة المادية.
وهنا يتساءل روبرت إبشتاين: "نظراً لهذا الواقع، لماذا هذا العدد الكبير من العلماء الذين يتحدثون عن الحياة العقلية لدينا كما لو كنّا أجهزة كومبيوتر؟".